جاءت فكرة بناء هذا الموقع في الانترنت من شعوري واحساسي باهمية دراسة التاريخ النضالي لقبيلة الجاف والقاء الضوء على الدور الوطني و القومي لرؤساء هذه القبيلة الذين ساهموا مساهمة فعالة في صنع ماضي وامجاد الشعب الكوردي وطيلة العديد من الاحداث والمراحل والاحقاب التاريخية التي أحاطت بحياة هذا الشعب العظيم . وقبيلة الجاف هذه وجذومها (( بطونها )) وفروعها وافخاذها الشجعان هم بقايا المهاجرين الاوائل من الاريين إلى مناطق إيران وبلاد ما بين النهرين وعلى مدى آلاف السنين والذين عرفوا بشجاعتهم وبطولاتهم في خدمة وصون هذا التراب المقدس (( كوردستان )) ، وان ما كتب ونشر وذكر عنهم لـ هو دليل ساطع على صدق هذه البطولات والأمجاد . يمثل أبناء الجاف إحدى اكبر واعرق قبائل كوردستان قاطبة وقد نالو تبعا لذلك اهتماما ملفتا للنظر من لدن المؤرخين والباحثين والرحالة الاجانب ، وبرغم ذلك الاهتمام البين المتاخر بالجاف ، شأنهم شأن العديد من القبائل الكوردية الأصيلة الأخرى ، فإن المخفي من تاريخهم سيظل أعظم بكثير من جميع تلك المعلومات والأخبار المدونة عنهم والتي لا ننكر رغم قلتها ، أهميتها وفائدتها القصوى لجيلنا الحالي التواق دوما لمعرفة ماضي أمته وامجاد سلفه العريق . فالجاف لم يكونوا مجرد قبيلة كبيرة ومهيبة فحسب ، بل الأصح انهم كانوا إمارة قبلية مؤلفة من عشائر وطوائف عدة حافظت طويلا على وحدتها وتماسكها ضمن اتحادها الأكبر الذي تزعمه أمراؤهم (( بكَزادتهم)) في مختلف المراحل والظروف . هذا أيها المشاهد والقارئ الكريم ، موجز من أردنا أن نعرفك به ونطلعك عليه من خلال هذا الجهد ، وان جميع معلوماتنا هنا مأخوذة بمجملها تقريبا من المقابلات التي تمت مع نخبة من المطلعين في هذا المجال و كذلك بعض الكتب والمجلات والصحف ذات العلاقة بالموضوع ويمتاز أصحاب مصادر ومعلومات بحثنا هذا على الأغلب ، بدرايتهم وحسن اطلاعهم وخبرتهم الطويلة في تاريخ المنطقة عموما وتاريخ الكورد القبلي خصوصا ، وبقربهم من سير الأحداث والوقائع التي شهدتها المنطقة تباعا . وعليه فان معلوماتهم هذه تتسم بقدر كبير من الموضوعية والمصداقية ، ومع هذا فقد قمنا بكل ما نستطيع من جهد ممكن للتأكد من مصادر ومناهل المعلومات الواردة ، وسأحاول في هذا الملخص أن أضع أمامكم نبذة ولو ضئيلة عن هذه القبيلة الكبيرة العريقة وفروعها والتي تعدى كما هو معروف ، احد اكبر وابرز قبائل الكورد و المنطقة قاطبة . وإنني في الوقت الذي أضع هذه الدراسة أمام عيون مشاهدي وقراء الإنترنت والمهتمين بقضية الشعب الكوردي اقر سلفا بأنني لست كاتبا أو باحثا متخصصا ولا مؤرخا ، ولكنني حاولت قدر الامكان أن ادون الأحداث بامانة وموضوعية وانصاف وحرص على التجرد من أي عاطفة وانحياز في سياق هذا المشروع . ولعل من المفيد والمناسب هنا أن أعرفكم بشخصي وكما هو آت : انا ثروت الابن الخامس من تسعة اولاد للأمير داود بگ رئيس قبيلة الجاف ، ولدت في يوم شتوي من شهر شباط سنة 1947م في قرية كلار المضرب والمقر الشتوي السابق لرؤساء قبيلة الجاف حيث كنت اجهل ماذا يخبئ لي الزمن ! . لم اكمل السنة الثانية من العمر، عندما فقدت عطف الأم ، و بوفاتها تحملت مسئوليتي أختي خورشيدة التي لم تكن تكبرني إلا بسنين قليلة ، وعندما أصبحت في السادسة من العمر أرسلوني إلى المدرسة الابتدائية في مدينة كفري وبعدها إلى مدينة خانقين لاكمال الدراسة . بعد ثورة عبد الكريم قاسم عام 1958، سادت مظاهرالفوضى والاضطرابات في كثير من مناطق ومدن العراق ومنها منطقتنا ، ولان والدي كان شخصية اجتماعية معروفة ونائبا في مجلس النواب العراقي ورئيس قبيلة الجاف ، رأى أن الطريق الامثل وقتئذ هو الابتعاد عن الفوضى وترك منطقتنا بل والعراق كليا ، وكما طلبت منه عشائر الجاف في إيران وكذلك الشاه نفسه ، قرر والدي الرحيل إلى إيران فاتصل بالشاه بصدد ذلك . وهكذا خطط الوالد لعملية رحيلنا إلى إيران ، وفي الوقت المحدد لذلك أمر بنصب فرق من المسلحين من أفراد القبيلة على جانبي الطريق وفي نقاط حساسة من مسلك عبورنا بالذات . و في إحدى ليالي ربيع سنة 1959 تركنا مدينة خانقين متجهين إلى مدينة قصر شيرين الإيرانية المجاورة ، ولان الحكومة العراقية كانت على علم بخطة مغادرتنا وأمرت جميع نقاط التفتيش والمقاومة الشعبية بمنعنا من ذلك فقد اندلعت معركة شرسة بيننا وبينهم أودت بقتل وجرح عدد منهم وبعض التضحيات من صفوف قبيلتنا ، إلا اننا تمكنا من العبور إلى الأراضي الإيرانية حيث تم استقبالنا رسميا من جانب السلطات هناك ، وبناء على طلب والدي انتقلنا إلى مدينة كرمانشاه الإيرانية وبقينا فيها لمدة خمس سنوات . واستمريت بالدراسة في كرمانشاه إلى الصف الخامس العلمي ، ثم قررنا بسبب مرض الوالد الانتقال إلى العاصمة طهران ليكون تحت رعاية طبية افضل غير أن ذلك لم يجد نفعا فتوفي والدي بعد صراع طويل مع المرض .

أكملت الدراسة الإعدادية في الفرع العلمي بمدرسة خوارزمي ثم قبلت في كلية الطب بجامعة طهران وأكملت دراسة الطب ونلت درجة الدكتوراه في سنة 1975 ، بعدها أديت الخدمة العسكرية في الجيش الإيراني في منطقتي بندر عباس وبندر جاسك وكنت في منصب رئيس الصحة لوحدة الجاندرمه هناك . تزوجت من جوان الجاف كريمة محمد سعيد بگ الجاف عام 1977 ورزقنا بخمس بنات هن : (( بهار 1978 ، دنيا 1982، آرزو 1986 ، ياسمين 1990 ، و ماندانا 1998 )). وبعد ثورة الخميني ورحيل الشاه من إيران أصبحنا هدفا للنظام الجديد بسبب تبوأ اخوتي لمناصب عالية لدى بلاط الشاه ، لذا قررنا الرحيل إلى مناطق قبيلة الجاف غرب إيران ، علما انه تم احتجاز اخي سالار الجاف الذي كان نائبا في مجلس الشورى الوطني الإيراني وعضوا بارزا في الحزب الحاكم ، من قبل الحرس الخميني واستشهد بعد فترة من احتجازه وكان هذا الحدث سببا قويا لتركنا نحن و أفراد عائلتنا طهران والتوجه إلى وسط قبيلتنا في إيران . وسرعان ما كشف النظام الجديد عن دمويته وبطشه بحق الشعب الإيراني عامة والكورد في كوردستان خاصة مما دفع شعبنا الكوردي لمقاومة هذا النظام الدموي العنصري الذي كان يسحق الحريات ويمارس القمع والتنكيل بحق شعبنا الرافض لهذا المنهج العنصري الدموي فلجأ إلى السلاح ، ونحن تضامنا بدورنا مع شعبنا المظلوم وقررنا الالتحاق بالثورة الفتية من أجل الحرية وكرامة الإنسان الكوردي .

وعلى هذا الأساس سلحنا آلاف من أفراد القبيلة وتمركزنا في المناطق الحدودية مع العراق في گيلان غرب وقصر شيرين وجبال دالاهو وضواحي پاوه وباينگان وجوانرود وحلبجة وسازان وپنجوين وبسطام وخضنا معارك ضارية مع الحرس الخميني و أوقعنا خسائر فادحة بهـم ،

وفي اولـى هـذه المعارك التي عرفت بمعركة (( پاوه )) قتل مئات من جـلاوزة الحرس الخمينـي (( الپاسدار )) وأسقطنا عددا من الطائرات الحربية و المروحيات ودمرنا عددا كبيرا من الدبابات والمزنجرات .

وفي ذلك الحين اتصلت بنا الحكومة العراقية عارضة علينا المساعدة اللوجستية ، وقبلنا من جانبنا هذا العرض بغية استمرار وديمومة المقاومة وتوجيه ضربات موجعة لقوات الپاسدار (( الحرس الخميني )) وتعزيزالقوة القتالية لقبيلتنا .

وفي ذلك الحين كنت أمارس من ناحيتي الطبابة والسياسة وكنت احد القادة الميدانيين البارزين في تلك الحركة ..

وبعد انقضاء سنوات على نشاطنا المسلح وبسبب مستجدات السياسة الإقليمية وضغوطات الحكومة العراقية علينا أجبرنا على التخلي عن السلاح فتوقف النشاط العسكري لحركتنا واجبر المسلحون من أفراد قبيلتنا وعوائلهم على الابتعاد عن الحدود العراقية – الإيرانية والانتقال إلى مخيمات اللاجئين في مناطق الرمادي والحلة في العراق .

وبعد توقف عملياتنا العسكرية ، قررت الاستمرار في دراسة الطب واخذ التخصص ، ومن اجل هذا الهدف سافرت الى الولايات المتحدة الامريكية ونلت التخصص (( في التغذية الصحية )) من جامعة سندياگو ، وبعد نيل التخصص قررت العودة الى العراق وافتتاح عيادة شخصية وممارسة مهنتي الطبية .

وفي سنة 1987 غادرت العراق ثانية إلى المملكة المتحدة لأخذ دبلوم في التراساوند التشخيصي (( الأمواج الصوتية )) واستمريت في ممارسة الطب إلى سنة 1994 في العراق ، وبسبب الأوضاع المزرية وعدم الأمان ونزول المستوى الدراسى فى العراق قررت تركها وذهاب الى هولندا .

وحاليا وبعد مرور عدة سنوات من الإقامة في هولندة أتمنى من الباري عز وجل أن يعيد الأمان والاستقرار إلى بلادنا ومنطقتنا وان يعيش جميع شعوب هذه المنطقة المضطربة بجميع طوائفها ومذاهبها واقلياتها في امن وسلام ، وان يعود جميع المهاجرين من كل مناطق العالم إلى ديارهم الأصلية ويعيشوا فيها مع بقية إخوانهم بأمان ووئام . واوجه شكري الجزيل لصديقي العزيز السيد هشام الملاك وابن الأخ العزيز داود سردار بگ الجاف والسيد عمر علي شريف الکاتب والصحفی والمؤرخ الكبير أستاذ محمد علي سلطاني , اللذين ساعدوني في بناء هذا الموقع ....